السبت 5 اكتوبر 2024

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الرابع «حساب الدوبيا» (8-4)

جرجي زيدان

ثقافة2-10-2024 | 13:34

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل الرابع من مذكرات مؤسس "الهلال" جرجي زيدان، وفيها يتحدث عن هوايته في مستهل صباه للعلم والأادب وميله إلى الإطلاع والمعرفة، وكيف تعلم حسابات الدوبيا، وتعرف إلى بعض مشاهير العلماء والأدباء.

الفصل الرابع: حساب الدوبيا

وكان هذا يقتضي أن أتعلم حساب (الدوبيا) لمسك الدفاتر، ولهذا الفن يومئذ معلم مشهور، اسمه الخواجا (حبيب سعد)، كان يعطي دروسا خصوصية في منزله لمن يريد تعلم حساب الدوبيا، فسعيت في التعلم عنده، واتفقنا على أن أدفع له مبلغ 250 قرشا على تعليمي ذلك الحساب، من غير تحديد مدة لذلك، فدفعت له المبلغ المتفق عليه، وصرت أتردد على منزله لهذا الغرض.

وكان هناك عند ذلك الأستاذ بضعة أدباء يتعلمون ذلك الفن، فحسبت أنهم اقدر مني على التعلم، لأنهم (أبناء مدارس)، ولكن لم يمض شهران حتى أتقنت (الدوبيا). ورأیت معلمي كثير الإعجاب بذلك، فكنت أستغرب إعجابه، إلى أن عرفت سببه وهو أن رفاقي الذين كانوا يدرسون معي على يديه قضوا شهورا طويلة قبل ذلك وبعده حتى وصلوا إلى مثل ما وصلت إليه، ولا أزعم أن لي فضلا عليهم غير الاجتهاد ومواصلة الدرس، ولا عجب فقد طلبت العلم شوقا إليه وطلبوه هم بارادة آبائهم.

ولما أتممت تعلم (الدوبيا) اعتزمت العمل كاتبا في أحد المحال التجارية، فأرشدني أحد الأصدقاء إلى محل الخواجا (عرزوزي) بسوق الطويلة، واتفق معي صاحبه على أن أعمل عنده، وذهبت لأبدا عملي هناك، ولكني علمت من صاحب المحل أن عملي عنده يشمل تنظيف الخزائن، ومساعدته بإحضار أثواب الحرير أو غيرها لعرضها على من يأتي إلى المحل من العملاء ثم اتفق أن انقضي النصف الأول من النهار ولم يأت أحد ليشترى شيئا، فشعرت بالوحدة، وبأني مأمور مقيد، بعد أن كنت في المطعم صاحب الأمر والنهي، وانقبضت نفسي وما حان وقت الغداء حتى استأذنت في الانصراف نتناوله على أن أرجع إلى المحل، ولكني لم أرجع،  وبقيت في المطعم بعد أن تناولت الغداء فيه.